كانت البلاد قبل دخول الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل مدينة الرياض
سنة 1319هـ (1902م) تعيش حالة من الفوضى السياسية، فالبلاد عبارة عن أشلاء متناثرة
ومتناحرة في الوقت نفسه، والروابط واللحمة الواحدة تنعدم فيما بينها. فكل إقليم
يمثل كياناً مستقلاً في جميع شؤونه، ناهيك عن أنه لم يكن لأي منها شيء من كينونة
الدولة السياسية بمعناها الحالي. وقد انعكس ذلك بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية
التي كانت تعاني انهياراً في معظم مقوماتها، مما أدى إلى تحويل معظم مجتمعاتها إلى
قبائل رحل تعتمد في إتمام عملياتها التجارية بشكل كبير على نظام المقايضة، ويكاد
هذا الوضع ينطبق وبشكل كبير على الأجزاء الداخلية من البلاد.
لقد أدى هذا التدهور السياسي والانهيار الاقتصادي إلى تعطيل عدد من الأنشطة الاقتصادية التي كانت تمثل أهم مورد لبعض الكيانات السياسية والقبلية، مما أدى إلى إفلاس السواد الأعظم من السكان وعجزهم عن دفع الضرائب التي كانت تمثل أهم مورد من موارد الدخل للدولة العثمانية في الجزيرة العربية آنذاك، وممثليها في حكم أقاليم البلاد. وبذلك بات سكان هذه الأقاليم ينتظرون الفرصة والخلاص من هذا الحكم الجائر الذي أرهق كاهلهم بدفع الضرائب، وأعادهم بل ودفع بهم سنين طويلة إلى التخلف والجهل.
استمر هذا الوضع قائماً إلى أن دخل الملك عبدالعزيز مدينة الرياض، فكانت بداية القرن العشرين بداية انطلاقة الدور الثالث من الحكم السعودي المبارك، الذي وضع حجر الأساس لحياة جديدة في جزيرة العرب، وأعاد بناء الحياة السياسية، والحكم المستقر، والأمن الدائم إلى ربوعها، ليعم سائر أقاليمها التي صارت بفضل الله ثم بجهود هذا الملك الفذ حاضرةً للتجارة العربية والإسلامية في العصر الحديث. وكياناً بارزاً يضطلع بدور مهم في مسار الاقتصاد العالمي.
فمنذ ذلك العام الذي فتح فيه الملك عبدالعزيز مدينة الرياض، وانطلق منها لتوحيد أجزاء البلاد المتناثرة تحت راية التوحيد، والى إن تم له ذلك بعون الله وتوفيقه، وسيرته تبهر الناس بجلالها، وتثير الدهشة والإعجاب عند كل من يسبر غورها. فها هو الملك عبدالعزيز في ظل الظروف القاهرة وشح الموارد، والحرب التي كانت تعصف بالعالم آنذاك. استطاع أن يبني دولة مترامية الأطراف، وأن يضع لها الأنظمة والقوانين التي تكفل حمايتها واستمراريتها، معتمداً في ذلك على الشريعة الإسلامية أولاً، وعلى بعد نظره ومصلحة أمته ثانياً. ولعل خير دليل على ذلك ما شهده النظام النقدي من تطور خلال عهده رحمه الله. فقد كان النظام النقدي في معظم أقاليم الجزيرة العربية بصفة عامة، وأقاليم البلاد بشكل خاص، يعاني فوضىً وتدهوراً لم يشهدهما من قبل. فمعظم النقود الأجنبية من ذهبية وفضية وبرونزية ونحاسية جرى التعامل بها في هذه البلاد بغض النظر عما إذا كانت تلك النقود تنتمي إلى دولة قائمة آنذاك، أو إلى دولة زال حكمها منذ زمن.
في ظل هذه الفوضى النقدية لم يكن أمام الملك عبدالعزيز في بداية الأمرـ أي بعد دخوله مدينة الرياض وسيطرته على معظم إقليم نجد ـ سوى أن يقبل ولو بشكل مؤقت بهذا الوضع، حيث أبقى على التعامل بالنقود المتوفرة بالأسواق آنذاك، إلا أن إيجاد نقد موحد يتم تداوله في مناطق نفوذه آنذاك، كان هاجساً يراوده كثيراً، لإدراكه التام بأن النقود تعد أهم مظهر من مظاهر سيادة الدولة، وإحدى شارات الملك الثلاث. ولهذا نجد أن الملك عبدالعزيز وخلال تلك الفترة المبكرة من مسيرة التوحيد كان يحاول جاهداً إصدار عملة نحاسية خاصة بسلطنة نجد آنذاك، رغبة منه في ضبط الأوضاع النقدية في أسواقها إبان تلك الفترة.
بعد هذه الخطوة الجريئة، وفي ظل سيادة العملات الأجنبية، لم يكن أمام الملك عبدالعزيز سوى إقرار التعامل في محيط نفوذه السياسي بالنقود المتداولة آنذاك. وهي النقود التي جرى تداول معظمها إبان عهد الدولة السعودية الثانية، والفترة التي سبقت دخوله مدينة الرياض. ولعل أهم تلك العملات على الإطلاق التالر النمساوي، أو ما يعرف بـ "دولار ماريا تريزا" والمعروف محلياً باسم "الريال الفرانسي" وهو الاسم الذي أصبح مجازاً اسماً رسمياَ لهذا النقد في معظم أقاليم الجزيرة العربية، بل وبعض الأقطار العربية.
أما بالنسبة لهذا النقد فهو عبارة عن قطعة نقدية فضية كبيرة الحجم يبلغ وزنها أوقية واحدة، ولدقة وزنه أصبح فيما بعد وحتى الآن وحدة وزن في الأسواق الشعبية. وقد بلغ هذا النقد – كما مربنا من قبل – شهرة كبيرة، وتعلق به الناس، ووثقوا به كنقد رئيس في معاملاتهم التجارية خاصة سكان الجزيرة العربية التي كان بعض أقاليمها يخضع لسيطرة الدولة العثمانية. بل إنهم كانوا يرفضون التعامل بغيره، حتى النقود العثمانية نفسها، الأمر الذي أضطر بعض ولاة الدولة العثمانية على تلك الأقاليم إلى الطلب من الآستانة توفير كميات كبيرة من الريال الفرانسي تفي بمتطلبات ولاياتهم.
فإلى جنب الريال الفرانسي تم تداول أنواع مختلفة من النقود العثمانية الذهبية والفضية والنحاسية. وان كانت النقود الفضية والنحاسية ومثلها النقود (الكوبر نيكل) هي الأكثر انتشاراً وسيادة في التداول بين الناس، ذلك لأن هذه العملات تمتاز عن غيرها بفئاتها المتعددة التي جعلت منها نقوداً رائجة في المعاملات التجارية.
وقد اشتهر من تلك النقود ما عرف بالريال المجيدي نسبة إلى السلطان العثماني عبدالمجيد خان، كذلك البارات- جمع بارة – وهي نقود من (الكوبر نيكل) وتمثل في حقيقتها أجزاء للريال المجيدي. وتتميز هذه النقود بصفة عامة بأنها تحمل على وجهها توقيع السلطان المشتمل على اسمه كاملاً نقش بالخط الطغرائي، وعدد سنوات جلوس السلطان على العرش، أما الظهر فيشتمل على مكان وتاريخ السك، وتاريخ تولية السلطان.
وإلى جانب تلك النقود جرى تداول الجنيه الإنجليزي الذي لا يقل شهرة عن الريال الفرانسي، وقد عرف بين سكان البلاد بأسماء محلية منها: جنيه جورج، نسبة إلى الإمبراطور جورج الخامس الذي سك هذا النقد في عهده، كذلك عرف باسم محلي آخر هو جنيه أبو خيال. لوجود صورة رجل يمتطي صهوة جواد على ظهر القطعة.
وكان هذا النقد يرد إلى أسواق البلاد شأنه شأن باقي العملات الإنجليزية التي ترد عن طريق الهند أهم المستعمرات البريطانية آنذاك. ولأن هذا النقد مضروب من معدن الذهب فقد لقي رواجاً كبيراً بين سكان البلاد. ناهيك عن نقاوة معدنه وثبات وزنه. كذلك جرى تداول النقود الهندية الفضية والمعروفة بالروبية وأجزائها والتي هي في حقيقة الأمر نقود إنجليزية سكت خلال الاستعمار البريطاني للهند. ولعل خير دليل على ذلك نقش صورة الإمبراطور الإنجليزي عليها. وقد كان للروبية وأجزائها ،والآنة وأجزائها، ومضاعفاتها شهرة واسعة وانتشار كبير في أسواق معظم أقاليم الجزيرة العربية، خصوصاً الأقاليم المطلة على الخليج العربي والبحر الأحمر. كذلك جرى تداول العديد من النقود الأخرى كالقروش المصرية ونقود بعض الدول المجاورة في الجزيرة العربية، ونقود دول شرق آسيا خاصة نقود الهند الشرقية، أو ما يعرف حالياً بـ اندونيسيا.
وفي خضم تلك الفوضى النقدية التي كانت تعيشها البلاد، كان الملك عبد العزيز يسعى جاهداً لإيجاد الحلول التي تساعد على ضبط الأوضاع النقدية تلك، وتحد من تنوع تلك النقود. ولعل أول خطوة عملية قام بها الملك عبدالعزيز تمثلت في دمغ بعض النقود الشائعة والرائجة في التداول بكلمة (نجد)، وكان ذلك قبل سنة 1340هـ (1922م). ومن أهم تلك النقود التي خضعت للإصلاح النقدي، الريال الفرانسي، والروبية الهندية وأجزاؤها، وبعض النقود العثمانية المضروبة من النحاس ومن (الكوبر نيكل) من فئة عشرة بارات، وفئة عشرين بارة، وأربعين بارة. وبعض القروش التركية مثل خمسة قروش، وبعض القروش المصرية والتي تعود إلى عهد السلطنة المصرية من فئة القرشين، وفئة الخمسة قروش، وفئة العشرة قروش، وفئة العشرين قرشاً.
يتضح من خلال هذا الإجراء الإصلاحي أن الملك عبدالعزيز كان يهدف إلى إعلام الرعية من صيارفة وباعة وغيرهم، أن تلك النقود المدموغة بكلمة (نجد) هي النقود الرسمية المعترف بها، والتي يجب التعامل بها دون غيرها. وكونها رسالة صريحة تعكس الوضع السياسي لسلطنة نجد خلال تلك الفترة، وخطوة جريئة تعد بمثابة اللبنة الأولى التي وضعها الملك عبدالعزيز لأساس نظام النقد السعودي وفق المصادر المتاحة له آنذاك.
بعد أن تمكن الملك عبدالعزيز من توحيد الحجاز مع نجد سنة 1343هـ (1925م) أقر التعامل بالريال الفرانسي والنقود العثمانية وغيرها من النقود الأجنبية التي كان الشريف حسين بن علي قد منع تداولها خلال فترة حكمه، وكإجراء وقائي قام الملك عبدالعزيز بدمغ تلك النقود بكلمة (الحجاز)، ولعل أندر تلك النقود المدموغة وحدة النقد البريطاني المعروف بالبيني البرونزي (Bronze Penny) المسكوك في عهد الإمبراطور جورج الخامس، (بريطانيا العظمى).
على الرغم من هذه الخطوة التي سمحت بتدفق النقود الأجنبية إلا أن حاجة السوق المحلية كانت تتطلب كميات أكبر من النقود، الأمر الذي دفع الملك عبدالعزيز إلى سك نقود تفي بحاجة السوق. فجرى سك كميات كبيرة من النقود النحاسية من فئة نصف القرش، وفئة ربع القرش. نقش على وجهها اسم الملك عبدالعزيز كاملاً (عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود) على هيئة طغراء أو بالخط الطغرائي، وتاريخ سكها سنة (1343هـ) أما ظهر الفئتين فقد نقش عليها القيمة النقدية لكل منهما، ومكان السك وهو أم القرى. وبذلك يعد هذا الإصدار بفئتيه (نصف قرش، وربع قرش) أول الإصدارات السعودية النقدية، بل إنه نقد قانوني جرى التعامل به وفقاً للأوامر الصادرة آنذاك وما نقش عليه من عبارات لا تختلف في مضمونها عن أي نقد آخر.
ونظراً لحاجة السوق إلى كميات إضافية من هذه النقود أمر الملك عبدالعزيز في السنة نفسها بسك كمية أخرى جاءت على غرار طراز القطع السابقة مع بعض الاختلاف في طريقة نقش اسم الملك، حيث ورد على النحو التالي: (عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل). ومع بداية سنة 1344هـ (1926م) أمر الملك عبدالعزيز بسك كمية أخرى من فئة نصف القرش فقط.
جرى سكها بشكل جميل جداً، خصوصاً ظهر هذه الفئة التي حملت نفس العبارات السابقة المشتملة على مكان السك وتاريخه، وقيمة النقد. حيث وزعت على مساحة ظهر القطعة بتصميم فريد للغاية، في حين نقش على الوجه اسم الملك عبدالعزيز كاملاً بالخط الطغرائي دون إضافة أي لقب من ألقابه (عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود) ونقش أسفل الطغراء سنة (2) أي السنة الثانية من حكم الملك عبدالعزيز بعد توحيد الحجاز مع باقي مملكته، ولعل هذا الإصدار يؤيد ما نحن بصدده من أن هذه الإصدارات النحاسية هي أول النقود السعودية الرسمية. وعلى أي حال تعد هذه النقود من أهم وأندر النقود المضروبة في مكة المكرمة، ذلك لأنها حملت أحد أسماء مكة المكرمة وهو (أم القرى) وهو الاسم الذي لم يظهر على النقود بصفة عامة قبل هذا التاريخ.
ومن الإصلاحات النقدية التي شرع بها الملك عبدالعزيز بعد دخوله الحجاز وتوحيده مع باقي أجزاء دولته، ما قام به في عام 1344هـ (1926م) حيث أصدر الملك عبدالعزيز أمره بسك نقود جديدة من فئة القرش الواحد، وفئة نصف القرش وفئة ربع القرش والتي جرى سكها من معدن الكوبر نيكل، وقد حملت هذه النقود الجديدة اسم ولقب الملك عبدالعزيز آنذاك (عبدالعزيز السعود/ملك الحجاز وسلطان نجد) نقش على وجه تلك الفئات على هيئة كتابة هامشية، في حين ورد على ظهر هذه الفئات كتابات اشتملت على قيمة القطعة النقدية بالأحرف والأرقام، وسنة السك، دون أن ينقش عليها اسم مكان سكها.
شهدت سنة 1346هـ العديد من التطورات النقدية الجبارة، فكان أولها أن قام عبدالعزيز بإلغاء التعامل بجميع النقود المتداولة كالعثمانية والهاشمية وغيرها. حيث أمر بطرح نقوده الجديدة التي حملت لقبه السابق، ويظهر هذا اللقب على النقود التي جرى سكها من معدن (الكوبر نيكل) من فئة القرش، ونصف القرش، وربع القرش والتي جاء تصميمها مطابقاً لتصميم القرش وفئاته المضروب سنة 1344هـ. باستثناء سنة السك 1346هـ التي نقشت أسفل ظهر القطعة النقدية.
وخلال السنة نفسها قام الملك عبدالعزيز بخطوة تعد من أهم المراحل التي مرت بها عملية الإصلاح النقدي إبان تلك الفترة. فقام يرحمه الله بطرح أول ريال عربي سعودي خالص، جرى سكه من معدن الفضة على غرار الريال المجيدي. الذي يعد النقد الفضي الرئيس المتداول آنذاك، وكأن الملك عبدالعزيز أراد بهذا العمل تقبل الرعية لهذا النقد الجديد إذ جرى سكه بشكل مطابق لوزن وقطر الريال المجيدي، كذلك نسبته من معدن الفضة، أما بالنسبة لتصميم هذا الريال وأجزائه من فئة نصف الريال ، وفئة ربع الريال، فقد جرى سكه بشكل مميز وفريد للغاية، اشتمل على عبارات وأرقام، نقشت على هيئة كتابات مركزية وأخرى هامشية. فقد ورد على مركز الوجه داخل دائرة اسم الملك كاملاً (عبدالعزيز بن عبدالرحمن السعود). في حين تضمن الهامش لقبه (ملك الحجاز ونجد وملحقاتها) وشعار الدولة سيفين متقاطعين داخل شكل شبه مستطيل نقش بجانبه نخلتان. أم الظهر فقد نقش في مركزه مكان السك وتاريخه (ضرب في مكة المكرمة 1346هـ) بينما اشتمل الهامش على القيمة بالأحرف والأرقام.
ولتحقيق الانتشار لهذا النقد، ودعمه أمام تحديات النقود الأخرى التي شكلت لها قاعدة صلبة من تعاملات الناس اليومية. فقد أصدر الملك عبدالعزيز أمره السامي المتضمن أول تنظيم للوضع النقدي في البلاد والذي جرى نشره في الجريدة الرسمية (أم القرى) في عددها رقم (160) وتاريخ 1346/7/13هـ (1928/1/9م). حيث تضمن العديد من المواد التي رسمت السياسة النقدية للدولة آنذاك. ومن أهم هذه المواد ما يلي:
-
المادة الأولى: يسمى هذا النظام نظام النقد الحجازي النجدي المعبر عنه فيما يلي بالنقد العربي.
-
المادة الثانية: اعتباراً من غرة شعبان 1346هـ يبطل التعامل بالريالات العثمانية وأقسامها وتحل محلها الريالات العربية وأقسامها.
-
المادة الثالثة: الريال العربي مساوٍ بحجمه ووزنه وعيار فضته للريال العثماني ونصف الريال العربي مساوٍ لنصف الريال العثماني، وربع الريال العربي مساوٍ لربع الريال العثماني.
-
المادة الرابعة:
أولاً: الجنيه الإنجليزي هو الأساس المقياسي لأسعار العملة الفضية العربية.
ثانياً: يساوي الجنيه الذهب عشرة ريالات فضية عربية.
ثالثاً: يساوي الجنيه الذهب (110) قروش أميرية أي (220) قرشاً دارجاً.
رابعاً: يساوي الريال العربي الفضي (11) قرشاً أميرياً أي (22) قرشاً دارجاً.
وبصدور هذا النظام النقدي الجديد أصبح لزاماً على الجميع التعامل بالريال السعودي، ونبذ ما سواه من النقود الأخرى، الأمر الذي تطلب إعادة سكه مرة أخرى سنة 1348هـ (1930م) بجميع فئاته ووفق مواصفاته السابقة عدا سنة سكه (1348هـ) حيث طرح للتداول وفق معيار صرفه من القروش الحجازية النجدية، التي أعيد سكها هي الأخرى خلال تلك السنة بجميع فئاتها، وطبقاً لمواصفاتها السابقة عدا تاريخ سكها (1348هـ).
بعد أن تمكن الملك عبدالعزيز آل سعود من توحيد أجزاء البلاد المتناثرة، صدر المرسوم الملكي رقم 2716 وتاريخ 1351/5/7هـ (1932/9/22م) بتحويل البلاد من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية، وتقرر استخدام لقب (ملك المملكة العربية السعودية) بدلاً من لقب (ملك الحجاز ونجد وملحقاتها). إلا أن هذا اللقب لم يظهر على النقود إلا في سنة 1354هـ (1935م) عندما جرى طرح أول نقد سعودي حمل الاسم الجديد للدولة بعد توحيدها، وكان ذلك على الريال الفضي الجديد وأجزائه من فئة نصف الريال، وفئة ربع الريال.
تميز هذا الريال بصغر حجه، وخفة وزنه مقارنة بالريال السابق. إذ بلغ وزنه 11.65 جم ، أي أقل من نصف وزن الريال السابق. كذلك تميز بارتفاع درجة نقاوته التي بلغت (0.916)، وبذلك يكاد يطابق الريال الجديد في مواصفاته مواصفات الروبية الهندية، النقد الأكثر تداولاً بين النقود الأجنبية السائدة آنذاك.
أما بالنسبة لتصميم هذا الريال، فقد جرى سكه بشكل مطابق لتصميم الريال السابق من حيث زخارفه وأشكاله وتوزيع عباراته، التي اختلفت على وجه الريال الجديد. فقد حمل مركز الوجه اسم الملك كاملاً (عبدالعزيز بن عبدالرحمن السعود) تحف به من الخارج دائرة تفصله عن كتابات الهامش التي تضمنت اللقب الجديد للملك (ملك المملكة العربية السعودية)، نقش أسفل منه شعار الدولة. أما الظهر فقد جاء مطابقاً للريال السابق عدا سنة سكه (1354هـ).
أما النقود المعدنية المصنوعة من الكوبر نيكل من فئة القرش وأجزائه من فئة نصف القرش، وفئة ربع القرش، فإنه لم يجر سكها بالاسم الجديد للدولة إلا في سنة 1356هـ (1937م)، حيث جرى سكها وفقاً للتصميم السابق للقرش وفئاته، مع اختلاف في العبارات وطريقة تنفيذها. فقد ورد على الوجه بشكل دائري اسم الملك ولقبه (عبدالعزيز السعود/ملك المملكة العربية السعودية)، في الوقت الذي لا نجد فيه اختلافاً في تصميم الظهر عدا سنة سك هذا القرش وأجزائه وهي سنة (1356هـ). التي نقشت أسفل ظهر القطعة النقدية.
ونظراً للتطور الاقتصادي المطرد، وحاجة السوق إلى كميات كبيرة من النقود السعودية التي أصبحت هي النقد الرئيس والسائد في جميع أرجاء البلاد، فقد جرى سك كميات كبيرة من الريال الفضي وأجزائه، كذلك القرش وأجزاؤه، عدة مرات وطيلة فترة تصل إلى ثلاث عشرة سنة. ومع ذلك فإن تاريخ السك (1354هـ) المنقوش على الريال الفضي وأجزائه، وتاريخ السك (1356هـ) المنقوش على القرش الكوبر نيكل وأجزائه، فقد بقيا دون تغيير حتى سنة 1367هـ (1948م) وذلك بالنسبة للريال الفضي، والذي جرى سكه خلال سنوات مختلفة، وفي دور سك متنوعة، منها على سبيل المثال: لندن، مكسيكو، فيلادلفيا، وبومباي.
ونتيجة لتركيز الدولة بعد توحيدها على سك الريال الفضي وأجزائه، للوفاء بمتطلباتها، وسد حاجة الأسواق من هذه النقود، وما قام به الصيارفة إبان تلك الفترة من تخزين الفئات الصغيرة من النقود المعدنية (الكوبر نيكل). فقد حدث نقص في هذه النقود من فئة القرش الواحد وأجزائه، مما أدى إلى تدني قيمة الريال الفضي الذي انخفض سعر صرفه من (22) قرشاً إلى (20) قرشاً، ولحل هذه المعضلة وكسر احتكار الصيارفة لتلك النقود، قامت الدولة سنة 1365هـ (1946م) بدمغ جميع القروش المتداولة آنذاك سواء المسكوكة منها قبل توحيد المملكة أو بعد توحيدها، بالرقم (65) في مركز الوجه عن طريق الطرق، وبذلك تمكنت الدولة من إعادة التوازن النقدي لأسواقها، وحافظت على قيمة الريال الفضي، لتستمر هذه النقود الصغيرة الموشحة أو المدموغة بهذا الرقم متداولة حتى بداية عهد الملك سعود بن عبدالعزيز.
وفي سنة 1367هـ (1948م) جرى سك الريال الفضي الواحد دون أجزائه، وطرح في الأسواق بتصميمه السابق عدا سنة سكه (1367هـ) المنقوشة في آخر سطر من كتابات مركز الظهر. ثم أعيد سكه مرة أخرى سنة 1370هـ (1951م) دون أجزائه أيضا. وخلال السنة نفسها (1370هـ) جرى ولأول مرة في العهد السعودي سك الجنيه الذهبي الذي كان في تصميمه مشابهاً للريال الفضي، وبالتحديد من حيث زخارفه ومأثوراته فيما عدا سنة سكه وقيمته بالأحرف المنقوشة في أعلى هامش الظهر (جنيه عربي سعودي واحد) وقد بلغ وزن هذا الجنيه (8 غرامات)، ودرجة نقاوة تصل إلى (0.91666) وبلغ قطره (22 مليمتر). وهو بذلك يكون مقارباً إلى درجة كبيرة من مواصفات الجنيه الإنجليزي وبالتحديد من حيث وزنه وقطره ودرجة عياره، أي نقاوته.
وعلى الرغم من أن هذه الجنيه جرى سكه سنة 1370هـ، إلا أنه لم يطرح للتداول حينها، فقد أخذت الدولة بمشورة المستشار الاقتصادي والمالي آنذاك آرثر.ن.يونج (Arthur N. Young) ، الذي كان يرأس بعثة أمريكية مهمتها تقديم المشورة للدولة لتطوير نظامها النقدي بشكل خاص. والاقتصادي بشكل عام. وقد كان من بين توصيات الخبير آرثر يونج، الاحتفاظ بتلك الجنيهات الذهبية البالغ عددها مليونين ونصف المليون قطعة، وتأجيل طرحها حتى يتم تأسيس مؤسسة تدير شؤون البلاد النقدية. وبالفعل فقد تم طرح تلك الجنيهات سنة 1372هـ (1952م) بعد أن تم إنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي.
بعد طرح الريال السعودي الفضي للتداول أصبح هاجس الدولة المحافظة على قيمته مقابل الجنيه الإنجليزي العملة الذهبية الرئيسة إبان تلك الفترة. ونظراً لما شهدته تلك الفترة من تحولات سياسية عصفت بالاستقرار الاقتصادي ، والأزمة العالمية الكبرى التي أدت إلى انهيار أسعار الفضة، وتخلي بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية عن قاعدة الذهب خلال الفترة من 1349-1352هـ (1933-1931م) وارتفاع أسعار الذهب بعد ذلك، فقد أدى إلى تغيير في قيمة التعامل بين الريال الفضي السعودي والجنيه الذهب الانجليزي الذي كان معمولاً به في نظام النقد النجدي الحجازي.
ونظراً لعدم وجود سلطة نقدية مركزية، تحكم وتنظم إصدارات الدولة من النقود التي كانت تسك خارج البلاد، وترد على دفعات، أو بشكل غير منتظم، فقد أدى إلى تدني قيمة صرف الريال الفضي السعودي، كذلك أدى إلى حدوث فارق كبير لا يتمشى مع قيمة الريال كمعدن في السوق العالمية، الأمر الذي دفع بالعديد من الصيارفة إلى القيام بتهريبه خارج البلاد وبكميات كبيرة خاصة إلى أسواق الهند التي شكلت منطقة جذب لهم.
وهنا رأى الملك عبدالعزيز أن البلاد بحاجة ماسة إلى وجود جهاز مصرفي يتولى إدارة دخل الحكومة الذي يشهد تنامياً مطرداً، بفضل الدخل المتزايد من الصادرات النفطية، كما يتولى تنظيم الأوضاع النقدية التي تعاني اضطراباً كبيراً، بسبب التقلبات الحادة لأسعار معدني الذهب والفضة، اللذين يشكلان العمود الفقري لعملة الدولة.
ولقد كان للملك عبدالعزيز جهوداً جبارة في هذا الميدان، ومنذ البدايات الأولى فقد كان (رحمه الله) حريصاً كل الحرص على إنشاء مصرف وطني يتولى إصدار النقود السعودية وينظم عملية طرحها في الأسواق ويحافظ أيضا على قيمتها. فكان هذا المشروع من أولوياته حيث كان لديه العديد من العروض بهذا الشأن إلا أنها جميعاً لم تكن ترقى إلى تطلعات الملك عبدالعزيز آل سعود.
وفي أوائل عام 1371هـ (1952م) وبعد الاضطراب الكبير الذي تعرضت له نظم الصرف والمدفوعات، وافق الملك عبدالعزيز على استقدام بعثة مالية أمريكية. يرأسها المستشار المالي الاقتصادي آرثر يونج لتقديم المشورة للدولة في النواحي المالية الاقتصادية ولتطوير أنظمتها النقدية، وبناءاً على التقارير والتوصيات التي قدمها السيد / آرثر يونج بإنشاء مؤسسة تعنى بالأمور النقدية للبلاد. وبعد التشاور مع جلالة الملك سعود يرحمه الله الذي كان وقتها أميراً حول ماهية هذه المؤسسة، تم التوصل إلى اسم المؤسسة ومهامها وأهدافها، عند ذلك صدر المرسومان الملكيان برقمي 30/4/1/1046 و 30/4/1/1047، وتاريخ 1371/7/25هـ (1952/4/20م) بإنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي، واعتماد نظامها الأساسي. الذي حدد أهم وظائفها في تثبيت قيمة العملة السعودية، ودعمها داخل البلاد وخارجها، ومعاونة وزارة المالية بتوحيد المركز الذي تودع فيه إيرادات الدولة، وتقديم المشورة للحكومة فيما يتعلق بسك النقود وطرحها، ومراقبة الجهاز المصرفي من مصارف تجارية، وصيارفة يتعاملون في بيع وشراء العملات الأجنبية، وقد حظر على المؤسسة إقراض الحكومة والهيئات الخاصة، وإصدار العملة الورقية وغيرها من البنود التي نص عليها المرسومان.
وبذلك باشرت مؤسسة النقد العربي السعودي التي تعد ثاني أقدم بنك مركزي في العالم العربي عملها في 1372/1/14هـ 1952/10/4م) وكان من المهام الأولى التي ألقيت على عاتق المؤسسة استكمال نظام النقد السعودي. فطرحت في بداية شهر صفر من عام 1372هـ الجنيه الذهبي السعودي، الذي حدد سعر صرفه بمبلغ (40) ريالاً فضياً سعودياً، أي ما يعادل (10.90) دولار، وهو سعر متوافق مع السعر المستهدف للريال مقابل الدولار (3.70 ريالات للدولار الواحد). وقد قامت المؤسسة حينها بجهد جبار في المحافظة على هذا السعر، ومارست كافة صلاحياتها بالتعاون مع الجهاز المصرفي لتحقيق هذا الهدف.
كما قامت المؤسسة باستكمال سك الريالات الفضية حيث قامت بسك الريال الفضي الموسوم باسم الملك عبدالعزيز سنة 1373هـ (1953م)، وبذلك أصبحت عملة البلاد تصدر عن مؤسسة وطنية سعودية قادت منذ بداية تأسيسها وحتى اليوم المحافظة على قيمة الريال السعودي بين عملات دول العالم.
يتضح مما سبق أن الملك عبدالعزيز قام بعمل غير عادي في سبيل بلورة هوية أمته ودولته من خلال نقودها، التي تعد أهم رمز من رموز سيادتها، ولعل المتتبع لمراحل الإصلاح النقدي خلال تلك الفترة، يدرك حقيقة بعد نظر الملك عبد العزيز في معالجة الأحداث والقضايا الجوهرية لأمته، فمراحل الإصلاح النقدي ارتبطت ارتباطاً مباشراً بمراحل توحيد هذا الكيان، وعكست الأحداث والتطورات السياسية التي شهدتها الدولة منذ سنة 1319هـ (1902م) وحتى سنة 1351هـ (1932م).
وعلى الرغم من كل ما تم تحقيقه في هذا المجال، إلا أن طموح الملك عبدالعزيز كان أكبر من ذلك بكثير، فقد أدرك رحمه الله صعوبة الاستمرار في استعمال النقود المعدنية، في ظل التطورات الاقتصادية المتلاحقة، وتنامي واردات الدولة بشكل كبير، فرغب في تسهيل أمور حجاج بيت الله الذين يلاقون مشقة من حملهم للريالات الفضية الثقيلة، فكانت الخطوة الأكثر جراءة في نظام النقد السعودي، والتي تمثلت بقيام مؤسسة النقد بإصدار ما عرف آنذاك بإيصالات الحجاج التي طرحت للتداول اعتبارا من 1372/11/14هـ (1953/7/25م) من فئة العشرة ريالات، والتي طبع منها خمسة ملايين إيصال، كطبعة أولى، كتب على هذا الإيصال عبارات متعددة باللغة العربية والفارسية، والإنجليزية،والأردية، والتركية، والمالاوية، ما يحفظ لحاملها قيمة هذا الإيصال من الريالات الفضية السعودية. وعلى ما يبدو أن هذه التجربة لاقت الاستحسان والقبول من حجاج بيت الله الحرام، ونالت ثقة الناس في السوق المحلية من تجار ومواطنين. الأمر الذي دفع بالمؤسسة إلى إعادة إصدار تلك الفئة وفئتين جديدتين أخريين من فئة الخمسة ريالات سنة 1373هـ (1954م)، وفئة الريال الواحد سنة 1375هـ (1956م) وكان لنجاح هذه التجربة أن المواطنين والحجاج لم يستبدلوا تلك الإيصالات بالعملة المعدنية، بل استمروا في تداولها واستنتجت الدولة ممثلة في مؤسسة النقد العربي السعودي بأن المواطنين والحجاج راغبون في استبدال العملات المعدنية بعملة ورقية، وهو تطور مهم يعبر عن الثقة بحكومة الدولة الفتية وقدرتها على حماية عملتها الورقية، وهو أمر أصعب بكثير من حماية العملة المعدنية ذات القيمة الذاتية.
ــــــــــــــــ
المصادر:
1- مؤسسة النقد العربي السعودي، مؤسسة النقد العربي السعودي إصداراتها من النقود، ومقتنياتها من النقود القديمة والإسلامية، الرياض، مؤسسة النقد العربي السعودي، 1411هـ.
2- مؤسسة النقد العربي السعودي، الأنظمة والتعليمات، الرياض، مؤسسة النقد العربي السعودي، 1414هـ.
3- محمد سعيد الحاج، مؤسسة النقد العربي السعودي إنشاؤها، مسيرتها وإنجازاتها، الرياض، مؤسسة النقد العربي السعودي، 1421هـ.